في أرض الغروب القاصية، أشرقت شمس أفضل حراس إسبانيا في مدينة مدريد، في العام 1981، بميلاد ذلك الفتى الوسيم، الذي ارتمى منذ طفولته في أحضان كرة القدم، وتحديدًا داخل جدران النادي الملكي، وعلى ملعب سانتياجو بيرنابيو.. إنَّه القديس إيكر كاسياس.

قصته أشبه بفيلم، أو عمل درامي تتتابع أحداثه صعودًا، وهبوطًا، فتجده في بداياته يسير بخطى واثقة تقول بأنَّه سيحقق ما تمنى من أحلام، وطموحات.

وفجأة يعود إلى اللا شيء، وتارة يستعيد البطل عافيته، ثم يُعاود الخفوت والتأرجح، لنجده مجددًا في بؤرة الحدث لامعًا متألقًا بمباركة الحظ والصدفة، مثلما حدث معه في كأس العالم 2002.

بداية كاسياس، كانت كلاسيكة ونموذجية للغاية، طفل في عمر الـ9 سنوات ينضم لريال مدريد الذي يحبه، حارس شاب بقطاعات الناشئين، تتلخص آماله في أن يكون الحارس الأساسي للفريق الأول للملكي، ومنتخب الماتادور.

بموهبته واجتهاده، وتميُّز أدائه وحظه، نجح كاسياس في أن يُثبت نفسه شيئًا فشيئًا، ليتم استدعاؤه عام 1997، وهو في الـ16 من عمره، للعب بصفوف الفريق الأول لريال مدريد في مباراته أمام نادي روزنبورج النرويجي، في دوري أبطال أوروبا، بعدما أصيب حارسا المرمى الاحتياطيين.

وبعد عامين، وفي 1999، تم تصعيده رسميًا للفريق الأول للملكي، لكنَّه لا يزال على مقاعد البدلاء، احتياطيًا للحارس الألماني بودو إليجنر، الذي بدأ مستواه بسبب إصابة ألمَّت به في التدهور والانحدار، ليصبح كاسياس كما تمنى من قبل حارس عرين ريال مدريد.

تألقه مع ناديه لفت إليه أنظار المنتخب الإسباني، فاستدعاه لأول مرة، وهو لم يتجاوز الـ19عامًا، بمباراة ودية بين الماتادور، والسويد، قبل نهائيات أمم أوروبا 2000، إلا أنَّه لم يشارك، ولو لدقيقة واحدة في اللقاء.

وبعدها بزغ نجم كاسياس، عندما أصبح أصغر حارس يشارك في نهائي دوري الأبطال بين ريال مدريد و‌فالنسيا عام 2000، والتي تُوِّج الملكي بلقبها، بعدها لم تسر الأمور على نفس المنوال الجيد بالنسبة لإيكر كاسياس.

بدأت أحداث فيلم كاسياس في الهبوط موسم 2001، بانحدار مستواه، فتراجع كثيرًا، وعاد كما كان قبل سنوات، حبيسًا لمقاعد البدلاء في مدريد.

لم تكن عودته للعب أساسيًا في مدريد، والمنتخب الإسباني عادية، بل كانت دراماتيكية لأبعد الحدود عنوانها الصدفة.

ففي عام 2002، كان الفريق الملكي يواجه باير ليفركوزن، في نهائي دوري الأبطال، وخلال اللقاء أُصيب الحارس الأساسي سيزار سانشيز، وشارك كاسياس، بدلاً منه.

ولعب كاسياس، خلال الدقائق التي شارك فيها، دور البطولة المطلقة، حيث كانت النتيجة عند نزوله (2-1) لصالح فريقه، فحافظ للمدريديين على اللقب، بعدما تصدى لـ3 أهداف محققة للفريق الألماني.

وعاد وقتها كاسياس للمركز الأساسي لحراسة الريال من الباب الكبير، باب البطولة والتألق، بفضل صدفة كانت له خير من ألف ميعاد، والأمر لا يختلف كثيرًا مع عودته للماتادور الذي جاء بالبطولة الأهم، مونديال 2002.

كان سانتياجو كانيزاريس، حارس فالنسيا آنذاك، يحجز مكانه كحارس أساسي للمنتخب بالبطولة، بينما تم اختيار كاسياس ليكون الحارس الثاني، لكنه فجأة صار الحارس الأساسي للإسبان في كأس العالم بكوريا واليابان.

والسبب وراء ذلك، كان غريبًا ومميزًا كمحطات كاسياس الكروية، فحل أساسيًا مكان كانيزاريس، عندما تسبَّبت زُجاجة عطر، سقطت على قدم الأخير بمعسكر المنتخب، في كسر إصبعه، قبل أسبوعين من انطلاق المونديال، وخرج على إثرها من القائمة.

لم تمنح هذه الزجاجة قبلة الحياة لكاسياس للمشاركة في هذا الزخم الرياضي الكبير فحسب، بل فاح عطرها على أدائه، فتألق وقدَّم مستوى طيبًا للغاية في البطولة، وقاد إسبانيا للتأهل كأول مجموعتها بالعلامة الكاملة.

وفي دور الـ16 من البطولة، تعملق كاسياس أمام منتخب أيرلندا عندما تألق في ضربات الجزاء بعدما انتهى الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل (1-1)، ومنح فريقه الصعود لربع النهائي لمواجهة كوريا الجنوبية، التي ودع خلالها القديس، ورفاقه المونديال.

وكان التألق في مونديال 2002، طريق كاسياس للبقاء على القمة لسنوات وسنوات فواصل القديس، -اللقب الذي اكتسبه بكوريا واليابان- مسيرته الناجحة مع الماتادور، ليتوج مسيرته بالفوز بأمم أوروبا 2008، و2012، ومونديال جنوب أفريقيا في 2010.

Post a Comment

Previous Post Next Post